ليس بالتبرعات تُحَلُّ مشكلات مصر، لكن بتغيير البنية الاقتصادية، واحترام قيمة العمل، وتطبيق المنهج العلمى فى حل المشكلات، ودفع ضريبة الغلاء من الأغنياء لتحقيق العدل الاجتماعى، وردم الهوة بين طبقة تموت من التخمة وطبقة تموت من الجوع، لكن ليس هناك مانع من التبرعات ولكن بشرط أن تكون من الأغنياء ورجال الأعمال. ولكن أن تتبرع جامعة تتسول لكى يقبض موظفوها مرتباتهم وتصرف على البحث العلمى ما يصرفه رجل أعمال فى عزومة عشاء ونقول إن هذا من أجل مصر - فهذا عبث. وصلتنى رسالة بهذا المعنى من دكتور يحيى طراف، أستاذ جراحة عظام الأطفال، يقول فيها: جاء بالصفحة الرابعة لأهرام 1/7 أن مجلس جامعة القاهرة قرر فى اجتماعه الاثنين ٣٠ يونيو التبرع بعشرين مليون جنيه لحساب صندوق «تحيا مصر»! فهل تملك جامعة القاهرة حرية التصرف فى موازنتها المخصصة لها من قبل الدولة والتى لا تكفى متطلباتها، حتى تُخرج مثل هذا المبلغ خارج الجامعة؟ وكيف تتبرع الجامعة بملايين الجنيهات فى حين أن مستشفى قصر العينى التعليمى الجديد (الفرنساوى) مثلاً، والذى يترأس السيد رئيس الجامعة مجلس إدارته بحكم موقعه، يعانى من نقص حاد وعجز فى المستلزمات والأدوات الجراحية حتى أمسى المرضى يشترونها قبل إجراء جراحاتهم كأنابيب التخدير والخيوط الجراحية... إلخ؟ أفلم يكن أحرى بهذا المال أن يتدارك به رئيس الجامعة هذا العجز المهين فى مستشفى جامعته؟ أوَليست مستشفيات المنيل الجامعى (قصر العينى)التى كانت محط نظر الإعلام فى الأيام الماضية بعد زيارة رئيس الوزراء المفاجئة بالليل، والتى أعقبتها زيارة وفد الوزراء ورئيس الجامعة، هى الأحق بمال جامعتها للنهوض بالخدمات الطبية فيها، خاصة بعد أن اطلع رئيس الوزراء ووزراؤه بأنفسهم ومعهم رئيس الجامعة ورأوا رأى العين قصور هذه الخدمات وعجزها عن الوفاء بحاجة المرضى؟ كان حرياً بمجلس جامعة القاهرة أن يتمثل المثل القائل «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع» فيقول: «اللى يعوزه القصر يحرم على مصر». يحدونى شعور بأن قرار جعل مناصب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات بالتعيين، كان له أكبر الأثر فى صياغة مثل هذا التبرع، ومن ثم تمريره داخل مجلس الجامعة دون اعتراض من أعضائه من العمداء (المنتخبين بالأمس المعينين بالغد)، بل إن السادة الأساتذة من المتطلعين لشغل منصب العميد فى كلياتهم ممن تشرئب أعناقهم له ويذوبون شوقاً إليه، هم أيضاً لم يعترضوا علانية على مبدأ التبرع وذلك حتى لا يقطعوا وشائج الوصل والود بينهم وبين ممن بيده اليوم سلطة تعيينهم.